بعد سلسلة اعتقالات نتيجة فشل عملية إنقلابية في الأردن، خرج وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ليعلن أن "التحقيقات تؤكد تورط جهات خارجية في القضية، ورصدت اتصالات مع جهات خارجية حول التوقيت الأنسب للبدء بخطوات زعزعة أمن الأردن". وأكد أن "هناك من وظف أمنيات لخدمة أجندات منطلقة من هدف ضرب الأردن وموقفه من قضايا رئيسة في المنطقة".
ولعل العبارة الأخيرة قد توحي بشكل أساسي من يريد زعزعة استقرار الممكلة الأردنية الهاشمية، ومَن يريد الإطاحة بالملك الأردني عبدالله بن الحسين والإتيان بأخيه ملك على الأردن، ولمصلحة مَن الفوضى في الاردن؟
بداية، لا بد من العودة بالتاريخ الى عام 2017، أي العام الذي استلم فيه دونالد ترامب الحكم في أميركا، وإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل ثم اندفاعته لإجبار الفلسطينيين على القبول بتصفية القضية الفلسطينية تحت شعار "صفقة القرن" وموقف الأردن من تلك التطورات، والنتائج التي ترتبت عن مواقف الملك الأردني:
مبكراً أعلن الملك الأردني رفضه إعلان كامل القدس عاصمة لإسرائيل معتبراً أن كل إجراءات إسرائيل في القدس التي تهدف لتغيير طابعها ووضعها القانوني باطلة، وأكد خلال لقائه مع نائب الرئيس الأميركي مايك بنس (كانون الثاني 2018) على ضرورة التوصل لحل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين على حدود 1967 وأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية مستقبلية.
ولم يكتفِ الملك الاردني بذلك، ولكنه حضر بنفسه قمتي اسطنبول الاولى والثانية الاستثنائية، بالرغم من الضغوط الخليجية التي مورست عليه وعلى محمود عباس لعدم الحضور. حضر الملك عبدالله ومحمود عباس القمة الاولى، ولكن عباس تذرع بمرضه ولم يحضر القمة الثانية بينما حضر الملك الأردني وألقى خطاباً رفض فيه صفقة القرن، واعتبر أن القدس توأم عمان (أيار 2018).
شكّل حضور الملك الأردني رسالة قوية للخليجيين خاصة للسعودية التي زارها قبل الذهاب الى اسطنبول، وتحدثت تقارير عن ضغوط مارسها ولي العهد السعودي عليه لعدم الحضور أو الاكتفاء بمشاركة أردنية رمزية، لكن حضور الملك اعتبر تحدياً لكل من ترامب ولولي العهد السعودي ورسالة للخليجيين بأن تعميق أزمة الأردن الإقتصادية من خلال رفض تقديم الدعم المالي للخزينة الأردنية لن يدفع به الى الموافقة على صفقة القرن الأميركية، وأن مسألة سحب الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وتحويلها الى السعودية لن تمر.
مباشرة، بعد قمة اسطنبول الثانية بدأت الاحتجاجات في عمان في أواخر أيار وأوائل حزيران 2018، ضد قانون رفع ضريبة الدخل وارتفاع الأسعار في عدد من المدن الأردنية، ومطالبة بإسقاط الحكومة... كان واضحاً أن هناك من يحاول ابتزاز الأردن للموافقة على صفقة القرن، وإلا الدخول في المجهول. لكن القبول الأردني بالصفقة كان خياراً مميتاً، إذ أنه أمراً يمسّ بالأمن القومي الأردني وبوجود الأردن ككل، فمن ضمن مشروع تصفية مشروع "دولة فلسطينية" مستقبلية، اقترحت صفقة القرن أن يكون الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين.
وبعد رحيل ترامب، استمر أصحاب مشروع صفقة القرن بمحاولة تطبيقه، فمنع نتنياهو زيارة ولي العهد الأردني الى الحرم القدسي (استمراراً في رفض الوصاية الأردنية على المقدسات)، فردّ الأردن بمنع طائرة نتنياهو المتجهة الى الامارت من المرور فوق أجوائه.
وهكذا، قد يكون التحريض على الانقلاب على الملك الاردني خليجي الطابع وذلك للروابط التي تربط الدول الخليجية بالعشائر الأردنية والتمويل والعلاقة مع الأمير حمزة بن الحسين والدائرة المحيطة به وأعوانه الأساسيين، لكن المستفيد الأكبر من الفوضى في الأردن هي، بالدرجة الأولى، اسرائيل.